الأعداد السابقة
السنة :26 العدد : 96 2000
أضف إلى عربة التسوق
تنزيل
قراءة نصية في قصيدة حديثة غامضة جدا (وللرماد نهارته)للشاعر السعودي سعد الحميدين .
DOI :
المؤلف : د. علوي هاشم الهاشمـي
منذ أن كان الشعر الحديث ، وسمة الغموض جزء من تكوينه الجوهري ، وواحدة من خصائصه التي اختلفت النقاد طويلا حول ملامحها الإيجابية والسلبية . إلا أن اثنين منهم لم يختلفا على وجودها فيه وارتباطها بمكوناته الأساسية .
ولاشك أن الاختلاف حول الملامح الإيجابية أو السلبية لهذه الظاهرة الحداثية ، مرده الاختلاف حول معدل درجة الانزياح التي يتخذها مؤشر اللغة الشعرية في هندسة النص الشعري الحديث وبنائه الرمزي على نحو خاص ، وهو معدل تتمدد مساحته المتدرجة من نقطة الشفافية الموحية التي تتخايل من خلالها الرؤى والصور والرموز والمعاني ، إلى أن تصل إلى درجة من العتمة الكاملة والغموض التام ، بل إلى حالة من حالات الإبهام التي تتحول ظاهرة الغموض بموجبها من مستواها الإيجابي المنتج إلى مستواها السلبي المغلق ، وهنا بالذات لا يغدو الشعر ضربا من الإبداع ، بل شكلا من أشكال الألغاز والتعمية والعبث الرخيص ، ولعل هذا ما يعطي لظاهرة الغموض في الشعر الحديث ، على نحو خاص ، دور البوصلة التي نتعرف بها على جهة الجمال في الشعر ، وعلى جوهر الإبداع فيه ، سواء أكان ذلك إيجابا أم سلبا .
وفي نظري فإن الغموض مهما يضرب أطنابه في القصيدة الحديثة ، تبقى للدلالة والرؤى مفاتيحها الرمزية ومفرداتها التي يمكن التقاطها وتفسير الغموض بها ، ولعل هذا ما جعلني اختار واحدة من القصائد الشعرية العربية التي أجمع كل من قرأها وكتب عنها من الصحفيين ونقادهم ، بالغموض والإبهام وانعدام الدلالة ، فهل كانوا محقين في ما قالوه ؟ هذا ما ستحاول هذه الدراسة الإجابة عنه .
وستتخذ الدراسة لها قاعدة منهجية تنهض عليها في تفكيك دلالات النص من الناحيتين اللغوية والإيقاعية ، مما يمثل خصائص أسلوبية عامة في شعر الحميدين صاحب النص ، وهو ما سيساعد من ثم على اكتشاف الخصائص الأسلوبية التي يتميز بها عالم النص موضوع الدراسة ، أما الخطوات الإجرامية التي سيتم اتباعها في تشغيل تلك القاعدة المنهجية ، فتتمثل في أربع خطوات هي :
- امتصاص صدمة الغموض .
- اتخاذ عنوان النص مصدرا لمعرفة دلالته .
- محاولة النقاط أهم المفاتيح النصية .
- الاتكاء على مزدوجة الحلم / الواقع أو الزمان والمكان ، إطارا عاما للرؤية المنهجية .
وبذلك تغدو المكونات النصية الثلاثية الرئيسية (الدلالة - اللغة - الإيقاع) هي الركائز البنيوية التي تتكون منها القاعدة المنهجية للدراسة ، والصورة العملية الحية التي تملأ ذلك الإطار النظري ، وتعبر عن رؤيته الفلسفية والجمالية في آن واحـد .
ومادام النص المدروس يمثل خلاصة خبرة شعرية وفكرية وفلسفية طويلة ، كما نعرف عن شاعره ، فليس أقل من أن نأخذ كل ذلك مأخذ الجد ، ونقوم بالكشف عن تجلياته في قراءة ظلام النص وطلاسمه التعبيرية التي شاء منتجها وطبيعة إنتاجها الفني ، أن تكون على هذا النحو الشعري الغامض ، لذلك يبقى الشعراء ، كما قال الفراهيدي ، أمراء الكلام يصرفون أنى شاءوا ويجوز لهم مالا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده ، ومن تصريف اللفظ وتعقيده .